فصل: من فوائد صاحب المنار في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد صاحب المنار في الآيات السابقة:

قال رحمه الله:
{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ}.
فَصَلَ بِالْجُنُودِ: انْفَصَلَ بِهِمْ مِنْ مَقَامِهِمْ وَقَادَهُمْ لِقِتَالِ أَعْدَائِهِمْ، وَأَصْلُهُ: فَصَلَ نَفْسَهُ عَنْهُ مُصَاحِبًا لَهُمْ، وَالْجُنُودُ: جَمْعُ جُنْدٍ بِالضَّمِّ وَهُوَ الْعَسْكَرُ وَأَصْلُهُ الْأَرْضُ الْغَلِيظَةُ ذَاتُ الْحِجَارَةِ ثُمَّ قِيلَ لِكُلِّ مُجْتَمَعٍ قَوِيٍّ جُنْدٌ، وَالشُّرْبُ: تَنَاوُلُ الْمَائِعِ بِالْفَمِ وَابْتِلَاعُهُ، وَطَعِمَ الشَّيْءَ مِنْ غِذَاءٍ وَشَرَابٍ ذَاقَهُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
وَإِنْ شِئْتَ لَمْ أَطْعَمْ نُقَاخًا وَلَا بَرَدًا.
وَالْغَرْفَةُ- بِالْفَتْحِ: الْمَرَّةُ، مِنْ غَرَفَ الشَّيْءَ إِذَا رَفَعَهُ مِنْ مَحَلِّهِ وَتَنَاوَلَهُ، وَبِهَا قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَالْحِجَازِيُّونَ. وَالْغُرْفَةُ- بِالضَّمِّ: مَا يُغْتَرَفُ، وَبِهَا قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكُوفِيُّونَ.
لَمَّا كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبْلُ كَارِهِينَ لِمُلْكِ طَالُوتَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أَذْعَنُوا مِنْ بَعْدُ، وَكَانَ إِذْعَانُ الْجَمِيعِ وَرِضَاهُمْ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِهِ إِلَّا بِالِاخْتِبَارِ وَالِابْتِلَاءِ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَبْتَلِيَ هَذَا الْقَائِدُ جُنْدَهُ لِيَعْلَمَ الْمُطِيعَ وَالْعَاصِيَ وَالرَّاضِيَ وَالسَّاخِطَ، فَيَخْتَارَ الْمُطِيعَ الَّذِي يُرْجَى بَلَاؤُهُ فِي الْقِتَالِ، وَثَبَاتُهُ فِي مَعَامِعِ النِّزَالِ، وَيَنْفِيَ مَنْ يَظْهَرُ عِصْيَانُهُ، وَيُخْشَى فِي الْوَغَى خِذْلَانُهُ، فَإِنَّ طَاعَةَ الْجَيْشِ لِلْقَائِدِ وَثِقَتَهُ بِهِ مِنْ شُرُوطِ الظَّفْرِ، وَأَحْوَجُ الْقُوَّادِ إِلَى اخْتِبَارِ الْجَيْشِ مَنْ وَلِيَ عَلَى قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَكْرَهُهُ، فَإِذَا وُجِدَ فِي الْجَيْشِ مَنْ لَيْسَ مُتَّحِدًا مَعَهُ يُخْشَى أَنْ يُوضِعُوا خِلَالَهُ يَبْغُونَهُ الْفِتْنَةَ وَيَسِمُونَهُ بِالْفَشَلِ. أَخْبَرَ طَالُوتُ جُنُودَهُ بِأَنْ سَيَمُرُّونَ عَلَى نَهَرٍ يَمْتَحِنُهُمْ بِهِ بِإِذْنِ اللهِ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ مِنْ أَشْيَاعِهِ الْمُتَّحِدِينَ مَعَهُ فِي أَمْرِ الْقِتَالِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَا يَشْرَبُهُ قَلِيلًا وَهُوَ غُرْفَةٌ تُؤْخَذُ بِالْيَدِ، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُتَسَامَحُ فِيهِ وَلَا يَرَاهُ مَانِعًا مِنَ الِاتِّحَادِ بِهِ وَالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ، وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ أَيْ يَذُقْهُ بِالْمَرَّةِ فَإِنَّهُ مِنْهُ، وَهُوَ الَّذِي يَرْكَنُ إِلَيْهِ وَيُوثَقُ بِهِ تَمَامَ الثِّقَةِ، فَالِابْتِلَاءُ سَيَكُونُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: مَرْتَبَةُ مَنْ يَشْرَبُ فَيُرْوَى لَا يُبَالِي بِالْأَمْرِ، وَحُكْمُهُ أَنْ يُتَبَرَّأَ مِنْهُ، وَمَرْتَبَةُ مَنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ غُرْفَةً يَبُلُّ بِهَا رِيقَهُ وَهُوَ مَقْبُولٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَمَرْتَبَةُ مَنْ لَا يَذُوقُهُ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ الْوَلِيُّ النَّصِيرُ الَّذِي يُوثَقُ بِاتِّحَادِهِ، وَيُعَوَّلُ عَلَى جِهَادِهِ، قَالَ تَعَالَى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا قَدْ فَسَدَ بَأْسُهُمْ وَتَزَلْزَلَ إِيمَانُهُمْ، وَاعْتَادُوا الْعِصْيَانَ فَسَهُلَ عَلَيْهِمْ عِصْيَانُهُمْ، وَشَقَّ عَلَيْهِمْ مُخَالَفَةُ الشَّهْوَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا هَوَانُهُمْ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ فِي الْإِيمَانِ وَالْغَيْرَةِ عَلَى الْمِلَّةِ وَالْأُمَّةِ إِلَّا نَفَرٌ قَلِيلٌ {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [34: 13] وَالْعَدَدُ الْقَلِيلُ مِنْ أَهْلِ الْعَزَائِمِ يَفْعَلُ مَا لَا يَفْعَلُ الْكَثِيرُ مِنْ ذَوِي الْمَآثِمِ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: {فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} أَيْ فَلَمَّا جَاوَزَ النَّهْرَ طَالُوتُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ {قَالُوا} وَهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ شَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ {لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} الطَّاقَةُ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْقُوَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الصِّيَامِ. وَجَالُوتُ هُوَ أَشْهَرُ أَبْطَالِ أَعْدَائِهِمُ الْفِلَسْطِينِيِّنَ، وَعَرَّبَهُ النَّصَارَى الَّذِينَ تَرْجَمُوا سِفْرَ صَمْوَئِيلَ الَّذِي فِيهِ الْقِصَّةُ جِلْيَاتُ وَلَا اعْتِدَادَ بِتَعْرِيبِهِمْ، وَالْعِبَارَةُ تُشْعِرُ بِأَنَّ جُنُودَ الْفِلَسْطِينِيِّينَ كَانُوا أَكْثَرَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ؛ أَيْ: قَالَ جُمْهُورُ الْجُنُودِ: لَيْسَ لَنَا أَدْنَى شَيْءٍ مِنْ جِنْسِ الطَّاقَةِ بِلِقَاءِ جَالُوتَ وَجُنُودِهِ.
{قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللهِ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا وَجَاوَزُوا النَّهَرَ مَعَ طَالُوتَ، وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْآخَرِينَ الَّذِينَ شَرِبُوا مِنَ النَّهَرِ لَمْ يُجَاوِزُوهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْهُمْ، وَظَنُّوا أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ جَاوَزُوا النَّهَرَ، قَالَ ضِعَافُهُمْ: لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ، وَقَالَ أَقْوِيَاؤُهُمْ: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ إِلَخْ. ثُمَّ اشْتَدَّ بَعْضُهُمْ بِعَزِيمَةِ بَعْضٍ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ انْتِصَارِهِمْ مَا يَأْتِي فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ، وَالْعِبَارَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ شَرِبُوا مِنَ النَّهَرِ لَمْ يُجَاوِزُوهُ، وَإِنَّمَا خَصَّ بِالذِّكْرِ الَّذِينَ لَمْ يَشْرَبُوا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ طَالُوتَ لِأَجْلِ الشُّرْبِ، فَهُمُ الَّذِينَ جَاوَزُوهُ مَعَهُ مُقْتَرِنِينَ وَهُمُ الَّذِينَ يَعْتَدُّهُمْ مِنْهُ، وَيَتَبَرَّأُ مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ الْعَاصِينَ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الِابْتِلَاءِ.
سِيَاقُ الْكَلَامِ فِيمَنْ فَصَلَ بِهِمْ مِنَ الْجُنُودِ وَابْتُلُوا بِالنَّهَرِ، وَقَدْ قَالَ فِيهِمْ: إِنَّهُمْ شَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا، ثُمَّ أَعْلَمَنَا أَنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ وَصَفَهُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ جَاوَزُوا النَّهَرَ مَعَ طَالُوتَ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ أَطَاعُوا وَلَمْ يَشْرَبُوا، ثُمَّ أَخْبَرَنَا بِقَوْلَيْنِ يَصْلُحُ أَحَدُهُمَا لِمُعَارَضَةِ الْآخَرِ وَرَدِّهِ الْأَوَّلُ أَسْنَدَهُ إِلَى ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ الْمَحْكِيِّ عَنْهُمُ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: إِنَّهُمْ شَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَمِثْلُهُ يَصْدُرُ مِمَّنْ خَالَفَ الْقَائِدَ وَجَبُنَ عَنِ الْقِتَالِ، والثَّانِي أَسْنَدَهُ إِلَى الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مَلَّاقُو اللهِ وَهُوَ يَنْطَبِقُ عَلَى الَّذِينَ أَطَاعُوا الْقَائِدَ وَاتَّحَدُوا مَعَهُ فَلَمْ يَعْصُوا، وَيَتَّفِقُ مَعَ وَصْفِ الْإِيمَانِ الَّذِي سَبَقَهُ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْجَمِيعَ جَاوَزُوا النَّهَرَ، وَأَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ كَانَا بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ، وَأَنَّ التَّصْرِيحَ بِمُجَاوَزَةِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ لَا يَجْعَلُ الْمُجَاوَزَةَ لِلْحَصْرِ وَإِنَّمَا هِيَ لِبَيَانِ الْمَعِيَّةِ وَالْمُصَاحَبَةِ، فَإِنَّ الْقَوْمَ افْتَرَقُوا عِنْدَ النَّهَرِ فَسَبَقَ مَنْ لَمْ يَشْرَبْ وَالْتَفَّ حَوْلَ الْقَائِدِ وَجَاوَزُوا النَّهَرَ مَعَهُ، وَتَخَلَّفَ الْآخَرُونَ قَلِيلًا لِلشُّرْبِ وَالِارْتِفَاقِ بِالْمَاءِ، ثُمَّ جَاوَزُوا وَلَحِقُوا بِالْآخَرِينَ كَمَا عُلِمَ مِنْ مُحَاوَرَتِهِمْ مَعَهُمْ بِمَا ظَهَرَ بِهِ أَثَرُ مَا فِي نَفْسِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمَا عَلَى لِسَانِهِ. وَمِنْ بَدِيعِ إِيجَازِ الْقُرْآنِ أَنْ يَحْذِفَ الشَّيْءَ وَيَأْتِيَ فِي السِّيَاقِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَذْكُرَ الْقَوْمَ بِوَصْفٍ غَيْرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ أَوْ يَجْعَلُهُ فِي مَكَانِ الضَّمِيرِ لِإِفَادَةِ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ هُوَ السَّبَبُ فِي الْفِعْلِ أَوِ الْوَصْفِ الَّذِي سِيقَ الْكَلَامُ لِتَقْرِيرِهِ، كَمَا وَصَفَ الَّذِينَ لَمْ يَشْرَبُوا بِالْإِيمَانِ مَرَّةً وَبِاعْتِقَادِ لِقَاءِ اللهِ تَعَالَى مَرَّةً أُخْرَى، فَأَعْلَمَنَا أَنَّ هَذَا الْإِيمَانَ وَالِاعْتِقَادَ هُمَا سَبَبُ طَاعَةِ الْقَائِدِ وَتَرْكِ الشُّرْبِ، وَسَبَبُ الشَّجَاعَةِ وَالْإِقْدَامِ عَلَى لِقَاءِ الْعَدُوِّ الَّذِي يَفُوقُهُمْ عَدَدًا.
هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي بَيَانِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالَ الَّذِينَ شَرِبُوا: لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَهُ السُّدِّيُّ وَهُوَ أَنَّهُ جَاوَزَ النَّهَرَ مَعَ طَالُوتَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي لَمْ يَشْرَبْ مِنَ النَّهَرِ إِلَّا الْغَرْفَةَ، وَالْكَافِرُ الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ الْكَثِيرَ، ثُمَّ وَقَعَ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِرُؤْيَةِ جَالُوتَ وَلِقَائِهِ وَانْخَذَلَ عَنْهُ أَهْلُ الشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ إِلَخْ، وَفِيهِ ذَكَرَ قَوْلَ كُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ وَوَسَمَ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ مَعَ طَالُوتَ النَّهَرَ إِلَّا أَهْلُ الْإِيمَانِ بِالْغَفْلَةِ وَرَدَّ عَلَيْهِ قَوْلَهُ.
وَفِي كُتُبِ الْيَهُودِ أَنَّ الِابْتِلَاءَ بِتَرْكِ شُرْبِ الْمَاءِ كَانَ عَلَى يَدِ جَدْعُونَ قَبْلَ قِصَّةِ طَالُوتَ، وَيُورِدُونَ ذَلِكَ بِمَا لَا يَلِيقُ بِاللهِ تَعَالَى، وَلَكِنَّهُ يُوَافِقُ مَا بُنِيَتْ عَلَيْهِ حَوَادِثُ تَارِيخِهِمْ مِنْ كَوْنِهَا كُلِّهَا عَجَائِبُ وَخَوَارِقُ عَادَاتٍ لَا شَيْءَ مِنْهَا مَبْنِيٌّ عَلَى سُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ، فَفِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ سِفْرِ الْقُضَاةِ مَا نَصُّهُ:
وَقَالَ الرَّبُّ لِجَدْعُونَ: إِنَّ الشَّعْبَ الَّذِي مَعَكَ كَثِيرٌ عَلِيَّ لِأَدْفَعَ الْمَدْيَانِيِّينَ بِيَدِهِمْ لِئَلَّا يَفْتَخِرَ عَلَى إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: يَدِي خَلَّصَتْنِي، وَالْآنَ نَادِ فِي آذَانِ الشَّعْبِ قَائِلًا: مَنْ كَانَ خَائِفًا وَمُرْتَعِدًا فَلْيَرْجِعْ وَيَنْصَرِفْ مِنْ جَبَلِ جِلْعَادَ، فَرَجَعَ مِنَ الشَّعْبِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، وَبَقِيَ عَشْرَةُ آلَافٍ، وَقَالَ الرَّبُّ لِجَدْعُونَ: لَمْ يَزَلِ الشَّعْبُ كَثِيرًا، انْزِلْ بِهِمْ إِلَى الْمَاءِ فَأُنَقِّيهِمْ لَكَ هُنَاكَ، وَيَكُونُ أَنَّ الَّذِي أَقُولُ لَكَ عَنْهُ هَذَا يَذْهَبُ مَعَكَ فَهُوَ يَذْهَبُ مَعَكَ، وَكُلُّ مَنْ أَقُولُ لَكَ عَنْهُ لَا يَذْهَبُ مَعَكَ فَهُوَ لَا يَذْهَبُ، فَنَزَلَ بِالشَّعْبِ إِلَى الْمَاءِ، وَقَالَ الرَّبُّ لِجَدْعُونَ: كُلُّ مَنْ يَلَغُ بِلِسَانِهِ مِنَ الْمَاءِ كَمَا يَلَغُ الْكَلْبُ فَأَوْقِفْهُ وَحْدَهُ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِلشُّرْبِ.
وَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ وَلَغُوا بِيَدِهِمْ إِلَى فَمِهِمْ ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ، وَأَمَّا بَاقِي الشَّعْبِ جَمِيعًا فَجَثَوْا عَلَى رُكَبِهِمْ لِشُرْبِ الْمَاءِ؛ فَقَالَ الرَّبُّ لِجَدْعُونَ: بِالثَّلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ الَّذِينَ وَلَغُوا أُخَلِّصُكُمْ وَأَدْفَعُ الْمَدْيَانِيَّيْنِ لِيَدِكَ. وَأَمَّا سَائِرُ الشَّعْبِ فَلْيَذْهَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَكَانِهِ اهـ.
وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْقَوْمَ خَلَطُوا فِي تَارِيخِهِمْ، وَأَنَّ أَكْثَرَهُ لَا يُعْرَفُ كَاتِبُوهُ، وَمِنْهُ سِفْرُ صَمْوَئِيل الَّذِي فِيهِ قِصَّةُ طَالُوتَ، وَعِبَارَتُهُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كُتِبَ بَعْدَ حُدُوثِ وَقَائِعِهِ؛ فَإِنَّ الْكَاتِبَ يَذْكُرُ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ وَيَقُولُ: إِنَّهَا لَا تَزَالُ إِلَى الْآنِ كَأَنَّ الزَّمَنَ كَانَ كَافِيًا لِأَنْ تَنْدَرِسَ فِيهِ جَمِيعُ الرُّسُومِ وَالْمَعَالِمِ الَّتِي عُهِدَتْ عِنْدَ وُقُوعِ تِلْكَ الْوَقَائِعِ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ كَاتِبَهُ، وَإِنَّنَا نَرَى الْمُؤَرِّخِينَ فِي زَمَانِنَا يَغْلَطُونَ بِمَا يَقَعُ فِي عَهْدِهِمْ غَلَطًا أَبْعَدَ مِنْ هَذَا الْغَلَطِ فِي إِسْنَادِ الشَّيْءِ إِلَى غَيْرِ فَاعِلِهِ، وَتَقْدِيمِهِ أَوْ تَأْخِيرِهِ عَنْ زَمَنِهِ. وَكَمَا فَاتَ مُؤَرِّخِي بَنِي إِسْرَائِيلَ تَحْرِيرُ الْوَقَائِعِ وَالْحَوَادِثِ بِالتَّدْقِيقِ فَاتَهُمْ مَا فِيهَا مِنَ الْعِبَرِ وَالْحِكَمِ، فَأَيْنَ مَا نَقَلْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَنْهُمْ مِمَّا تَجِدُهُ فِي عِبَارَةِ الْقُرْآنِ مِنْ صُنُوفِ الْعِبْرَةِ؟ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ اللهُ تَعَالَى فِي مَسْأَلَةِ النَّهَرِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ مَا خَالَفَهُ مِنْ أَقْوَالِ سَائِرِ الْكُتُبِ مُعَارِضًا لَهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّوْفِيقِ أَوِ الْجَوَابِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَةِ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ. وَاللهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
{وَلَمَّا بَرَزُوا} أَيْ: لَمَّا ظَهَرَ طَالُوتُ وَجُنُودُهُ بِالْبَرَازِ، وَهِيَ بِالْفَتْحِ مَا اسْتَوَى مِنَ الْأَرْضِ {لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} وَهُمْ أَعْدَاؤُهُ الْفِلَسْطِينِيُّونَ {قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} أَيْ: لَجَأَ قَوْمُ طَالُوتَ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى اللهِ تَعَالَى يَدْعُونَهُ بِأَنْ يُفْرِغَ عَلَى قُلُوبِهِمُ الصَّبْرَ، وَيُثَبِّتَ أَقْدَامَهُمْ فِي مَوَاقِعِ الْقِتَالِ بِثَبَاتِ قُلُوبِهِمْ وَاطْمِئْنَانِهَا بِالْإِيمَانِ وَالثِّقَةِ بِهِ، وَيَنْصُرَهُمْ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، الَّذِينَ تَعَلَّقَتْ قُلُوبُهُمْ بِالْأَوْهَامِ.
وَهَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ بَعْضُهَا مُرَتَّبٌ عَلَى بَعْضٍ بِحَسَبِ الْأَسْبَابِ الْغَالِبَةِ، فَالصَّبْرُ سَبَبٌ لِلثَّبَاتِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ، وَأَجْدَرُ النَّاسِ بِالصَّبْرِ الْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ الْغَالِبِ عَلَى أَمْرِهِ، كَمَا سَنُوَضِّحُهُ بَعْدَ تَمَامِ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ.
{فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ} أَيْ: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ مَا سَأَلُوا بِبَرَكَةِ التَّوَجُّهِ إِلَيْهِ، وَتَذَكُّرِهِمْ مَا يُؤْمِنُونَ بِهِ مِنْ قُوَّتِهِ الَّتِي لَا تُغَالَبُ فَهَزَمُوهُمْ، أَيْ كَسَرُوهُمْ كَسْرَةً انْتَهَتْ بِدَفْعِهِمْ مِنَ الْمَعْرَكَةِ، وَهَرَبِهِمْ مِنْهَا بِإِرَادَتِهِ الْمُنْفِذَةِ لِسُنَّتِهِ فِي نَصْرِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّابِرِينَ الثَّابِتِينَ، عَلَى الْكَافِرِينَ {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ} قَالُوا: إِنَّ جَالُوتَ جَبَّارُ الْفِلَسْطِينِيِّينَ طَلَبَ الْبَرَازَ فَلَمْ يَجْرُؤْ أَحَدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مُبَارَزَتِهِ حَتَّى إِنَّ طَالُوتَ جَعَلَ لِمَنْ يَقْتُلُهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ، وَيُحَكِّمَهُ فِي مُلْكِهِ، ثُمَّ بَرَزَ لَهُ دَاوُدُ بْنُ يَسَى، وَكَانَ غُلَامًا يَرْعَى الْغَنَمَ، وَلَمْ يَقْبَلْ أَنْ يَلْبَسَ دِرْعًا وَلَا أَنْ يَحْمِلَ سِلَاحًا، بَلْ حَمَلَ مِقْلَاعَهُ وَحِجَارَتَهُ، فَسَخِرَ مِنْهُ جَالُوتُ وَاحْتَمَى عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَسْتَعِدَّ لَهُ، وَقَالَ: هَلْ أَنَا كَلْبٌ فَتَخْرُجُ إِلَيَّ بِالْمِقْلَاعِ؟ فَرَمَاهُ دَاوُدُ بِمِقْلَاعِهِ فَأَصَابَ الْحَجَرُ رَأْسَهُ فَصَرَعَهُ فَدَنَا مِنْهُ فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ، وَجَاءَ بِهِ فَأَلْقَاهُ إِلَى طَالُوتَ فَعُرِفَ دَاوُدُ، وَكَانَ لَهُ الشَّأْنُ الَّذِي وَرِثَ بِهِ مُلْكَ إِسْرَائِيلَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} فَسَّرُوا الْحِكْمَةَ هُنَا بِالنُّبُوَّةِ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ تُفَسَّرَ بِالزَّبُورِ الَّذِي أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} [4: 163] وَبِهِ كَانَ نَبِيًّا، وَأَمَّا تَعْلِيمُهُ مِمَّا يَشَاءُ فَهُوَ صَنْعَةُ الدُّرُوعِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [21: 80].
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى حِكْمَةَ الْإِذْنِ بِالْقِتَالِ الَّذِي قَرَّرَتْهُ الْآيَاتُ فَقَالَ: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} قَرَأَ نَافِعٌ {دِفَاعُ اللهِ} وَالْبَاقُونَ {دَفْعُ اللهُ} أَيْ: لَوْلَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَدْفَعُ أَهْلَ الْبَاطِلِ بِأَهْلِ الْحَقِّ، وَأَهْلَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِأَهْلِ الْإِصْلَاحِ فِيهَا لَغَلَبَ أَهْلُ الْبَاطِلِ وَالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَبَغَوْا عَلَى الصَّالِحِينَ وَأَوْقَعُوا بِهِمْ حَتَّى يَكُونَ لَهُمُ السُّلْطَانُ وَحْدَهُمْ، فَتَفْسُدَ الْأَرْضُ بِفَسَادِهِمْ، فَكَانَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَى الْعَالَمَيْنِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ أَنْ أَذِنَ لِأَهْلِ دِينِهِ الْحَقِّ الْمُصْلِحِينَ فِي الْأَرْضِ بِقِتَالِ الْمُفْسِدِينَ فِيهَا مِنَ الْكَافِرِينَ وَالْبُغَاةِ الْمُعْتَدِينَ، فَأَهْلُ الْحَقِّ حَرْبٌ لِأَهْلِ الْبَاطِلِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَاللهُ نَاصِرُهُمْ مَا نَصَرُوا الْحَقَّ وَأَرَادُوا الْإِصْلَاحَ فِي الْأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّى هَذَا دَفْعًا عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، إِذْ كَانَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِهِ فِي الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ، وَسَمَّاهُ دِفَاعًا فِي قِرَاءَةِ نَافِعٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلًّا مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ الْمُصْلِحِينَ وَأَهْلِ الْبَاطِلِ الْمُفْسِدِينَ يُقَاوِمُ الْآخَرَ وَيُقَاتِلُهُ.
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ إِيتَاءَ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ أَمْثَالَ هَذِهِ الْقِصَصِ مِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ فَقَالَ: {تِلْكَ آيَاتُ اللهِ} يُشِيرُ إِلَى قِصَّةِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَقِصَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي بَعْدَهَا {نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} فِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ مَا يَقُولُهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ مُخَالِفٌ لِهَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ {وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} إِذْ لَوْلَا الرِّسَالَةُ لَمَا عَرَفْتَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْقِصَصِ وَأَنْتَ لَمْ تَكُنْ فِي أَزْمِنَةِ وُقُوعِهَا وَلَا تَعَلَّمْتَ شَيْئًا مِنَ التَّارِيخِ، وَلَوْ تَعَلَّمْتَهُ لَجِئْتَ بِهَا عَلَى النَّحْوِ الَّذِي عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْقَصَّاصِينَ.
وَقَدْ قَرَّرَ تَعَالَى هَذِهِ الْحُجَّةَ عَلَى نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ بَعْدَ ذِكْرِ قِصَّةِ مُوسَى فِي مَدْيَنَ، وَذِكْرِ نُبُوَّتِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [28: 44، 45].